فصل: بَاب الْوَصِيَّة بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَاب الْوَصِيَّة لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرهمْ:

إنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا تَقَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامُ الْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ وَالْمَذْكُورَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَحْكَامُهَا عَلَى الْعُمُومِ، وَالْخُصُوص أَبَدًا تَابِعٌ لِلْعُمُومِ (جَارُ الْإِنْسَانِ مُلَاصِقُهُ) قَدَّمَ الْوَصِيَّةَ لِلْجَارِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّمَ الْوَصِيَّةَ لِلْأَقَارِبِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْجَارِ نَظَرًا إلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَأَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِأَمْرِ الْجَارِ، ثُمَّ إنَّ حَمْلَ الْجَارِ عَلَى الْمُلَاصِقِ هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ إذَا كَانَ مُلَاصِقًا (وَعِنْدَهُمَا) جَارُ الْإِنْسَانِ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّتَهُ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُهَا أَيْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى جِيرَانًا عُرْفًا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْبِرُّ، وَبِرُّ الْجَارِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُلَاصِقِ بَلْ بِرُّ الْمُقَابِلِ مَقْصُودٌ كَبِرِّ الْمُلَاصِقِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَوْعِ اخْتِلَاطٍ فَإِذَا جَمَعَهُمْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وُجِدَ الِاخْتِلَاطُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسْجِدِ زَالَ الِاخْتِلَاطُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْجِوَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا قُلْنَا هَذَا الْخَبَرُ ضَعِيفٌ فَقَدْ طَعَنُوا فِي رِوَايَتِهِ (وَيَسْتَوِي فِيهِ) أَيْ لَفْظُ الْجَارِ (السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ) وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَذْكُورُونَ فِي لَفْظِ الْجَارِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِمْ لُغَةً وَشَرْعًا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِجَارٍ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ إلَّا بِتَمْلِيكِهِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا بِخِلَافِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْأَرْمَلَةُ تَدْخُلُ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا مُضَافَةٌ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا مُطْلَقًا.
(وَصِهْرُهُ مَنْ هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا» وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي الصِّحَاحِ الْأَصْهَارُ اسْمُ أَهْلِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَحْرَمِ وَفِي الْكَافِي وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ مَنْ كَانَ صِهْرًا لِلْمُوصِي يَوْمَ مَوْتِهِ بِأَنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ مُعْتَدَّةً عَنْهُ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمَرْأَةُ فِي نِكَاحِهِ وَعِدَّتِهِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَالصِّهْرُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ النِّكَاحِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الصِّهْرِيَّةِ انْتَهَى.
(وَخَتَنُهُ مَنْ هُوَ زَوْجُ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا، وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ أَخْتَانًا وَقِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأَزْوَاجَ الْمَحَارِمَ، وَ (يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الصِّهْرِ وَالْخَتَنِ (الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ)؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمْ جَمِيعًا (وَأَقَارِبُهُ وَأَقْرِبَاؤُهُ وَذَوُو قَرَابَتِهِ وَأَرْحَامِهِ وَذَوُو أَرْحَامِهِ وَأَنْسَابِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى إلَى أَقَارِبِهِ أَوْ أَقْرِبَائِهِ وَذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ أَرْحَامِهِ أَوْ ذَوِي أَرْحَامِهِ أَوْ أَنْسَابِهِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ) وَلَا الْوَارِثُ وَيَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا هَذَا عِنْد الْإِمَامِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ (وَفِي الْجَدِّ رِوَايَتَانِ) وَكَذَا فِي وَلَدِ الْوَلَدِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْهُ لِمَعْدُومٍ فَكَانَتْ بَاطِلَةً.
(وَتَكُونُ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا)؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْجَمْعُ فِي الْمَوَارِيثِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَكَذَا الْوَصِيَّةُ (وَعِنْدَهُمَا) يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ (مَنْ يُنْسَبُ) إلَيْهِ أَيْ إلَى الْمُوصِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ (إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِأَنْ أَسْلَمَ أَوْ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ) قِيلَ يُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْأَبِ الْأَقْصَى وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطْ إدْرَاكُهُ لِلْإِسْلَامِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى عَلَوِيٌّ لِذَوِي قَرَابَتِهِ فَمَنْ شَرَطَ الْإِسْلَامَ يَصْرِفُ الْوَصِيَّةَ إلَى أَوْلَادِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا إلَى أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ يَصْرِفُهَا إلَى أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ فَيَدْخُلُ فِيهَا أَوْلَادُ عَقِيلٍ وَجَعْفَرٍ وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الْإِسْلَامَ.
(فَمَنْ لَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ الْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى إلَى أَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَالْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ (وَعِنْدَهُمَا لِلْكُلِّ عَلَى السَّوَاءِ) فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقَرِيبِ يَتَنَاوَلُهُمْ وَلَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبَ.
(وَمَنْ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ لِعَمِّهِ وَنِصْفُهَا بَيْنَ خَالَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ اثْنَانِ فَيَكُونُ لِلْوَاحِدِ النِّصْفُ وَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَلَا مُسْتَحِقَّ لَهُ أَقْرَبُ مِنْ الْخَالَيْنِ فَكَانَ لَهُمَا.
(وَإِنْ) كَانَ (لَهُ عَمٌّ) وَاحِدٌ (فَقَطْ فَنِصْفُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمْعِ فِيهِ وَيُرَدُّ النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ الثُّلُثِ إلَى الْوَرَثَةِ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ وَأَدْنَاهُ اثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَلِهَذَا يُعْطَى لَهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْأَخِيرُ لِلْوَرَثَةِ.
(وَإِنْ) كَانَ لَهُ (عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالٌ وَخَالَةٌ فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمِّ وَالْعَمَّةِ عَلَى السَّوَاءِ) لِاسْتِوَاءِ قَرَابَتِهِمَا، وَقَرَابَةُ الْعُمُومَةِ أَقْوَى مِنْ قَرَابَةِ الْخُؤُولَةِ، وَالْعَمَّةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً فَهِيَ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَرِيبُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا (وَعِنْدَهُمَا الْوَصِيَّةُ لِلْكُلِّ عَلَى السَّوِيَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يَشْتَرِطَانِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ كَمَا اشْتَرَطَهُ الْإِمَامُ.
(وَأَهْلُ الرَّجُلِ زَوْجَتُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِأَهْلِ رَجُلٍ فَهِيَ لِزَوْجَتِهِ (وَعِنْدَهُمَا) أَهْلُ الرَّجُلِ (مَنْ يَعُولُهُمْ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ) يَعْنِي عِنْدَهُمَا أَهْلُ الرَّجُلِ مَنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ الْمُؤَيَّدِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} وَقَالَ تَعَالَى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إلَّا امْرَأَتَهُ} وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ، وَلِلْإِمَامِ قَوْله تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} أَيْ زَوْجَتِهِ بِنْتِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا أَيْ تَزَوَّجَ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَآلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِآلِ فُلَانٍ فَهِيَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَلَا أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ أُمِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ (وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ يُعَدَّانِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (وَأَهْلُ نَسَبِهِ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ)؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ (وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ) دُونَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ فَصَارَ كَآلِهِ بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّوْنَ قَرَابَةً.
(وَالْوَصِيَّةُ) مُبْتَدَأٌ (لِبَنِي فُلَانٍ وَهُوَ أَبٌ صُلْبٌ) جُمْلَةٌ وَهُوَ أَبٌ صُلْبٌ حَالٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ (لِلذُّكُورِ خَاصَّةً) خَبَرُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ لِلذُّكُورِ وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ) أُخْرَى (عَنْ الْإِمَامِ) يَدْخُلُ فِيهِ (الْإِنَاثُ أَيْضًا) أَيْ كَالذُّكُورِ وَدُخُولُ الْإِنَاثِ فِي بَنِي فُلَانٍ إمَّا تَغْلِيبٌ أَوْ مَجَازٌ بِإِرَادَةِ الْفُرُوعِ.
(وَ) الْوَصِيَّةُ (لِوَرَثَةِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) لِأَنَّ الِاسْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِرَاثَةِ فَإِذَا بَانَ قَصْدُهُ التَّفْصِيلَ وَهِيَ فِي أَوْلَادِ الْمُوَرِّثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ كَالْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ.
(وَ) لَوْ أَوْصَى (لِوَلَدِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى السَّوَاءِ)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَنْتَظِمُ بِالْكُلِّ (وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الِابْنِ عِنْدَ وُجُودِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَقِيقَةً يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الصُّلْبِ وَتَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ بَنَاتٌ صُلْبِيَّةٌ وَبَنُو ابْنٍ فَالْوَصِيَّةُ لِلْبَنَاتِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ مَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا (وَيَدْخُلُونَ) أَيْ أَوْلَادُ الِابْنِ (عِنْدَ عَدَمِهِمْ) أَيْ أَوْلَادُ الصُّلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (دُونَ أَوْلَادِ الْبِنْتِ) وَإِنَّمَا لَا يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ إنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى أَبِيهِمْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ** بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ.

(وَإِنْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَهُوَ) أَيْ فُلَانٌ (أَبُو قَبِيلَةٍ) كَبَنِي تَمِيمٍ مَثَلًا (لَا يُحْصَوْنَ) كَثْرَةً (فَهِيَ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (بَاطِلَةٌ)؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِعَدَمِ إحْصَائِهِمْ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِتَعَذُّرِ الصَّرْفِ.
(وَإِنْ) أَوْصَى (لِأَيْتَامِهِمْ أَوْ عُمْيَانِهِمْ أَوْ زَمْنَاهُمْ أَوْ أَرَامِلِهِمْ فَلِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ مِنْهُمْ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إنْ كَانُوا) أَيْ الْمُوصَى لَهُمْ (يُحْصَوْنَ)؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ وَأَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فِي حَقِّهِمْ، ثُمَّ قِيلَ حَدُّ الْإِحْصَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَحْتَاجَ مَنْ يَعُدُّهُمْ إلَى حِسَابٍ وَلَا كِتَابٍ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ فَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَهَذَا أَيْسَرُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ (وَلِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ خَاصَّةً إنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْقُرْبَةُ وَهَذِهِ الْأَسَامِي أَعْنِي الْأَيْتَامَ وَمَا بَعْدَهُ تُشْعِرُ بِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْفُقَرَاءِ.
(وَ) إنْ أَوْصَى (لِمَوَالِيهِ فَهِيَ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (لِمَنْ أَعْتَقَهُمْ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ وَلِأَوْلَادِهِمْ) أَيْ أَوْلَادِ الْمُعْتَقِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِعْتَاقُهُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُدَبَّرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَازِمٌ فِي حَقِّهِمْ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَنُسِبُوا إلَى الْوَلَاءِ كَالْمُعْتَقِينَ (وَلَا يَدْخُلُ) فِيهَا (مَوْلَى الْمُوَالَاةِ)؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ بِالْعِتْقِ وَوَلَاءَ الْمُوَالَاةِ بِالْعَقْدِ فَهُمَا مَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْمُعْتَقِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى الْمُعْتِقِ بِوَاسِطَةِ آبَائِهِمْ بِوَلَاءٍ وَاحِدٍ (وَلَا) يَدْخُلُ فِيهَا (مَوَالِي الْمَوَالِي إلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمْ) أَيْ الْمَوَالِي؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَوَالِي الْمُوصِي حَقِيقَةً فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمْ الِاسْمُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَوْلَى حَقِيقَةً كَمَا مَرَّ فِي وَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْ عَدَمِهِ.
(وَتَبْطُلُ) الْوَصِيَّةُ (إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصِي (مُعْتِقُونَ) بِكَسْرِ التَّاءِ (وَمُعْتَقُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالِي مَوَالٍ أَعْتَقُوهُمْ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرَكٌ وَلَا عُمُومَ لَهُ وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَاخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَعُمُّ إذَا وَقَعَ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ تَرْكَ الْكَلَامِ مَعَ الْمَوَالِي مُطْلَقًا لَيْسَ لِوُقُوعِهِ فِي النَّفْيِ بَلْ لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ بَعْضُهُ لَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، وَقَدْ قَرَّرَهُ فِي التَّقْرِيرِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَا أَنَّ لَفْظَ الْمَوَالِي مُشْتَرَكٌ وَحُكْمُهُ التَّوَقُّفُ فَكَيْفَ حُكِمَ بِبُطْلَانِهَا ؟ قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ الْبَيَانِ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِهِ لَا يُفِيدُ، فَإِنْ قِيلَ التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مُمْكِنٌ وَهِيَ أَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ فَتُصْرَفُ إلَى الْمَوَالِي الَّذِينَ أَعْتَقُوهُمْ.
وَأَمَّا فَضْلُ الْأَنْعَامِ فِي حَقِّ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ هُوَ فَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالصَّرْفُ إلَى الْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمَنْدُوبِ كَمَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا أُجِيبَ بِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ جَرَيَانُ الْعُرْفِ بِالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْغَالِبُ فِي الْمُعْتَقِينَ بِفَتْحِ التَّاءِ أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ وَفِي الْمُعْتِقِينَ بِكَسْرِهَا الْغَالِبُ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ وَالْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْعًا كَمَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِهَذَا الْمَعْنَى.
(وَأَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ فِي الْوَصَايَا كَالْمَوَارِيثِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَصَايَا أُخْتُ الْمَوَارِيثِ وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ فِي الْقُرْآنِ بِإِطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ فِي الْمَوَارِيثِ فَقُلْنَا فِي الْوَصَايَا إنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ فِيهَا اثْنَانِ أَيْضًا حَمْلًا عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ فِي الْمَوَارِيثِ.

.بَاب الْوَصِيَّة بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَة:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَنَافِعِ وَأَخَّرَ هَذَا الْبَابَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ وُجُودِ الْأَعْيَانِ لِيُوَافِقَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ.
(تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ وَبِغَلَّتِهِمَا) أَيْ الْعَبْدِ وَالدَّارِ (مُدَّةً مُعَيَّنَةً) كَسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ مَثَلًا (وَأَبَدًا)؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَحْمِلُ التَّمْلِيكَ بِبَدَلٍ وَغَيْرِ بَدَلٍ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَيُحْتَمَلُ التَّمْلِيكُ بَعْدَ الْمَمَاتِ كَالْأَعْيَانِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوصِيَ يُبْقِي الْعَيْنَ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَشْغُولًا بِتَصَرُّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى حَاجَتِهِ وَإِنَّمَا تَحْدُثُ الْمَنْفَعَةُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ يَجُوزُ مُؤَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا كَالْعَارِيَّةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَالْإِرْثُ لَا يَجْرِي فِي الْخِدْمَةِ بِدُونِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَتَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا كَانَ مِلْكًا لِلْمُوَرِّثِ، وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يَبْقَى وَقْتَيْنِ وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَإِيجَابُ مِلْكٍ بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا (فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ (مِنْ الثُّلُثِ سُلِّمَ إلَى الْمُوصَى لَهُ) بِخِدْمَتِهِ وَسُكْنَاهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا يُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (قُسِمَتْ الدَّارُ) عَيْنُهَا أَثْلَاثًا (وَتَهَايَئَا فِي الْعَبْدِ يَوْمَيْنِ لَهُمْ وَيَوْمًا لَهُ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ أَجْزَاءً؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَصِرْنَا إلَى الْمُهَايَأَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ كَالسَّنَةِ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَتْ السَّنَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ يَخْدُمُ لِلْوَرَثَةِ يَوْمَيْنِ وَلِلْمُوصَى لَهُ يَوْمًا إلَى أَنْ يَمْضِيَ ثَلَاثُ سِنِينَ فَإِذَا مَضَتْ سُلِّمَ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، فَإِنْ مَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّهَا يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ تِلْكَ السَّنَةُ، فَإِذَا مَضَتْ سُلِّمَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ الْمُوصَى بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى الدَّارِ إذَا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَيْثُ تُقْسَمُ عَيْنُ الدَّارِ أَثْلَاثًا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لِإِمْكَانِ قِسْمَةِ عَيْنِ الدَّارِ أَجْزَاءً وَهُوَ أَعْدَلُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا وَلَوْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ إلَّا أَنَّ الْأُولَى أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَعْدَلَ.
(وَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ رُدَّتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ الدَّارِ (إلَى وَرَثَةِ الْمُوصَى)؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْوَصِيِّ لَهُ لَاسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصَى بِغَيْرِ رِضَاهُ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.
(وَإِنْ مَاتَ) الْمُوصَى لَهُ (فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَمِلْكُ الْمُوصِي ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَلُّكُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
(وَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ الدَّارِ أَوْ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ لَهُ السُّكْنَى وَالِاسْتِخْدَامُ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ وَهَذَا اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ نَفْسِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا مُغَايِرَانِ وَيَتَفَاوَتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ يُمْكِنُهُمْ أَدَاؤُهُ مِنْ الْغَلَّةِ بِاسْتِرْدَادِهَا مِنْهُ بَعْدَ اسْتِغْلَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ نَفْسَهَا، وَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لَهُ السُّكْنَى وَالِاسْتِخْدَامُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِهَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ.
(وَلَا) يَجُوزُ (لِمَنْ وَصَّى لَهُ بِالْخِدْمَةِ) فِي الْعَبْدِ (وَالسُّكْنَى) فِي الدَّارِ (أَنْ يُؤَاجِرَ) الْعَبْدَ وَالدَّارَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ بِعَقْدٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَوْ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِئْجَارِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ تَمَلَّكَ الْإِجَارَةَ، وَكَذَا إذَا تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ عِنْدَهُ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ الْمَنْفَعَةَ؛ لِأَنَّهَا إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِعَارَةِ اللُّزُومُ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ، وَلَنَا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا مِنْ غَيْرِهِ بِعِوَضٍ كَالْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ إذْ التَّمْلِيكُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَإِذَا احْتَمَلَتْ الْمَنْفَعَةُ التَّمْلِيكَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَأَنْ تَحْتَمِلَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْلَى.
(وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَمَاتَ) الْمُوصِي (وَفِيهِ) فِي الْبُسْتَانِ (ثَمَرَةٌ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (هَذِهِ) أَيْ الثَّمَرَةُ الْمَوْجُودَةُ (فَقَطْ) لَا مَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا.
(وَإِنْ زَادَ أَبَدًا) أَيْ زَادَ فِي تِلْكَ الْوَصِيَّةِ لَفْظَ أَبَدًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (هِيَ) أَيْ الثَّمَرَةُ الْمَوْجُودَةُ (وَمَا يُسْتَقْبَلُ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ أَعْنِي قَوْلَهُ هِيَ أَيْ يَسْتَحِقُّ الثَّمَرَةَ الْمَوْجُودَةَ وَمَا يَحْدُثُ مِنْ الثَّمَرَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَمَلًا بِالتَّأْبِيدِ فِي لَفْظِ الْمُوصِي.
(وَإِنْ أَوْصَى) لَهُ (بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْمَوْجُودُ وَمَا يُسْتَقْبَلُ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ اسْتَحَقَّهَا دَائِمًا وَبِالثَّمَرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقَائِمَةَ إلَّا إذَا زَادَ لَفْظَ أَبَدًا فَيَصِيرُ كَالْغَلَّةِ فَيَسْتَحِقُّهَا دَائِمًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا سَيَحْدُثُ وَبَعْضُ الْأَلْفَاظِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَأَبَدًا وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ يَعْرِضُ أَنْ يُوجَدَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَمَا يُقَالُ فِي الْعُرْفِ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ أَوْ أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ فَيُصَدَّقُ عَلَى مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الِاسْتِقْبَالِ.
(وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِصُوفِ غَنَمِهِ أَوْ لَبَنِهَا) أَيْ الْغَنَمِ (أَوْ أَوْلَادِهَا فَلَهُ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَطْ) سَوَاءٌ (قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ الْمُوصَى بِهِ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ الْأَوْلَادِ وَمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ الْأَلْبَانِ وَمَا عَلَى ظُهُورِهَا مِنْ الصُّوفِ يَوْمَ مَاتَ الْمُوصِي سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمئِذٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الصُّوفَ وَالْوَلَدَ وَاللَّبَنَ الْمَوْجُودَاتِ يَصِحُّ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعُقُودِ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ تَبَعًا بِكُلِّ عَقْدٍ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ فَأَمَّا الْمَعْدُومُ مِنْهَا فَلَمْ يُشْرَعْ اسْتِحْقَاقُهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ فَأَمَّا الثَّمَرَةُ أَوْ الْغَلَّةُ الْمَعْدُومَةُ فَيَصِحُّ اسْتِحْقَاقُهَا بَعْدَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَلَأَنْ تُسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ أَوْلَى.

.بَاب وَصِيَّة الذِّمِّيّ:

إنَّمَا ذَكَرَ وَصِيَّةَ الذِّمِّيِّ عَقِيبَ وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ لِمَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ مُلْحَقُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ.
(وَلَوْ جَعَلَ الذِّمِّيُّ دَارِهِ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ) أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ، وَوَقْفُ الْمُسْلِمِ يُورَثُ عَنْهُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْصِيَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ قُرْبَةً، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرَ الْمَعْصِيَةِ (وَلَوْ أَوْصَى بِهِ) أَيْ بِجَعْلِ دَارِهِ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً (لِقَوْمٍ مُسَمِّينَ جَازَ) أَيْ الْإِيصَاءُ (مِنْ الثُّلُثِ) اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَمَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَلِلْمُوصِي وِلَايَةَ كِلَيْهِمَا.
(وَكَذَا) يَجُوزُ (فِي غَيْرِ الْمُسَمِّينَ) بِأَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ غَيْرِ مَخْصُوصِينَ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا إنَّهَا بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يُوصِيَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَالْوَصِيَّةِ لِلْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّائِحَاتِ فَهَذَا لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَتَصِحُّ تَمَلُّكًا مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصُونَ لَا تَصِحُّ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا قُرْبَةً؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَثَانِيهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ قُرْبَةً عِنْدَنَا كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ مَسْجِدًا أَوْ يُسْرِجَ فِي الْمَسَاجِدَ أَوْ أَوْصَى بِالْحَجِّ فَهِيَ بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ لِأَنَّا نُعَامِلُهُمْ بِدِيَانَتِهِمْ.
وَثَالِثُهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ لِعِتْقِ الرِّقَابِ، أَوْ يُسْرِجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ إجْمَاعًا لِاتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ قُرْبَةً وَرَابِعُهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ يُسْرَجُ فِيهِ، أَوْ تُذْبَحُ الْخَنَازِيرُ وَيُطْعَمُ الْمُشْرِكُونَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا عِنْدَ الْإِمَامِ، سَمَّى قَوْمًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ، وَقَالَا هِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ.
لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ بِمَعْصِيَةٍ وَفِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرُ الْمَعْصِيَةِ، وَالسَّبِيلُ فِي الْمَعَاصِي رَدُّهَا لَا قَبُولُهَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ.
وَلَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دِيَانَتُهُمْ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَهِيَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَتَصِحُّ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً عِنْدَنَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِدِيَانَتِهِمْ فَكَذَا عَكْسُهُ.
(وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ مُسْتَأْمَنٍ لَا وَارِثَ لَهُ فِي دَارِنَا بِكُلِّ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّ الْقَصْرَ عَلَى الثُّلُثِ شَرْعًا لِحَقِّ الْوَرَثَةِ حَتَّى تَنْفُذَ بِإِجَازَتِهِمْ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ، وَالْحَجْرُ بِنَاءً عَلَى حَقٍّ مَعْصُومٍ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْحَجْرِ لِحَقٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ، إذْ حُقُوقُ أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرُ مَعْصُومَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ أَوْ بِذِمَّةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِحُرْمَتِهِمْ.
(وَإِنْ أَوْصَى) أَيْ الْمُسْتَأْمَنُ (بِبَعْضِهِ) أَيْ بِبَعْضِ مَالِهِ ثُمَّ مَاتَ (رُدَّ الْبَاقِي) مِنْ مَالِهِ (إلَى وَرَثَتِهِ) الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ أَيْضًا لَا رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَرَثَةِ حَتَّى يُرَدَّ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يُرَدُّ الْبَاقِي إلَى وَرَثَتِهِ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ قُلْتُمْ بِأَنَّهُمْ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ.
(وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ (مَا دَامَ فِي دَارِنَا) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ (مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ)؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِنَا فَلَهُ حُكْمُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْهُ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَيَصِحُّ تَبَرُّعُهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الرُّجُوعَ وَيُمْكِنُ مِنْهُ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ (وَصَاحِبِ الْهَوَى) وَهُوَ الَّذِي يَتْبَعُ هَوَى نَفْسِهِ مَيْلًا لِلْبِدْعَةِ (إنْ لَمْ يَكْفُرْ بِهَوَاهُ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ بِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْهَوَى (فَهُوَ كَالْمُسْلِمِ فِي الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ (وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ بِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْهَوَى.
(فَكَالْمُرْتَدِّ) فَيَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ قَالَ فِي الْكَافِي وَوَصَايَا الْمُرْتَدِّ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَالذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ وَلَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا انْتَهَى.
وَفِي الْمِنَحِ وَالْمُرْتَدَّةُ فِي الْوَصِيَّةِ كَذِمِّيَّةٍ فَتَصِحُّ وَصَايَاهَا.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي الزِّيَادَاتِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهَا وَصِيَّةٌ، قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ هُنَا الْأَصَحُّ وَهُمَا يَصْدُقَانِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الذِّمِّيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ كَالذِّمِّيَّةِ فَتَجُوزَ وَصِيَّتُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهَا فَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ إنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ فَحُكْمُ وَصَايَاهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَمَا صَحَّ مِنْهُمْ صَحَّ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَوَصِيَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ وَوَصَايَا الْمُرْتَدَّةِ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا انْتَهَى فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى كَوْنِ وَصِيَّتِهَا نَافِذَةً مَحَلُّ نَظَرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَوَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا تَصِحُّ لِوَارِثِهِ) لِالْتِزَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُنَا كَمَا فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ (وَتَجُوزُ) وَصِيَّتُهُ (لِذِمِّيٍّ مِنْ غَيْرِ مِلَّتِهِ) كَوَصِيَّةِ نَصْرَانِيٍّ لِيَهُودِيٍّ وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (لَا) تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ (لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ)؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ كَمَا تَقَدَّمَ.

.بَاب الْوَصِيّ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُوصَى لَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى إلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا يَنْتَظِمُهُ أَيْضًا، قَدَّمَ أَحْكَامَ الْمُوصَى لَهُ لِكَثْرَتِهَا وَكَوْنِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَمَسَّ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ فِي وَجْهِهِ وَرَدَّ) الْوَصِيَّةَ (فِي غَيْبَتِهِ لَا يَرْتَدُّ)؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَلَا اعْتِبَارَ لِرَدِّهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَيَبْقَى وَصِيًّا كَمَا كَانَ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْمُوصَى إلَيْهِ فِي أَنَّ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي يُعْتَبَرُ دُونَ رَدِّ الْمُوصَى إلَيْهِ، قُلْنَا إنَّ نَفْعَ الْوَصِيَّةِ لِلْمُوصَى لَهُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُوصَى إلَيْهِ فَإِنَّ نَفْعَ الْوَصِيَّةِ رَاجِعٌ إلَى الْمُوصِي فَكَانَ فِي رَدِّهِ بِغَيْرِهِ إضْرَارٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَلِهَذَا قُلْنَا لَا يُعْتَبَرُ رَدُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُوصِي.
(وَإِنْ رَدَّ فِي وَجْهِهِ) أَيْ وَجْهِ الْمُوصِي (يَرْتَدُّ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ، وَلَا غُرُورَ فِيهِ فَتُوَقِّفَ عَلَى قَبُولِهِ (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) الْمُوصَى إلَيْهِ (وَلَمْ يَرُدَّ) بَلْ سَكَتَ (حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ) أَيْ الْمُوصَى إلَيْهِ (مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُوصِي وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا.
(وَإِنْ بَاعَ) الْمُوصَى إلَيْهِ (شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ لَمْ يَبْقَ لَهُ الرَّدُّ وَإِنْ) كَانَ (غَيْرَ عَالَمٍ بِالْإِيصَاءِ) فَصَارَ بَيْعُهُ التَّرِكَةَ كَقَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَيَنْفُذُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْإِيصَاءِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ، وَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ قَبُولًا.
(فَإِنْ رَدَّ) الْوَصِيُّ الْوِصَايَةَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ مُوَرَّثِ الْمُوصِي (ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ مَا لَمْ يَنْفُذْ قَاضٍ رَدَّهُ) وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْوِصَايَةِ لَمَّا قَالَ لَا أَقْبَلُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يُبْطِلُ الْإِيصَاءَ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ، وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِصَايَةِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ كَمَا أَنَّ لَهُ إخْرَاجَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ حَتَّى إذَا رَأَى غَيْرَهُ أَصْلَحَ كَانَ لَهُ عَزْلُهُ وَنَصْبُ غَيْرِهِ، وَرُبَّمَا يَعْجَزُ وَهُوَ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِبَقَاءِ الْوَصِيَّةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ عَنْهُ، وَيَنْصِبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ قَالَ أَقْبَلُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَمَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِإِخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ.
(وَإِنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُ الْقَاضِي وَنَصَبَ غَيْرَهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ، وَاسْتَبْدَلَ غَيْرَهُمْ مَكَانَهُمْ، وَذَكَر الْقُدُورِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ لَهُمْ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ، وَلَوْ تَصَرَّفُوا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ جَازَ انْتَهَى، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ لَهُمْ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثَمَّ الْإِخْرَاجُ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ أَصْلَ النَّظَرِ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً وَوِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا، وَوِلَايَةِ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَيُمْكِنُهُ بَعْدَهَا وَالْمُعَادَاةُ الدَّنِيَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْجِنَايَةِ فَيُخْرِجُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُمْ مَقَامَهُمْ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ، وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُعَذَّرُ بِذَلِكَ فِي إخْرَاجِهِ وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي مَنَافِعِهِ كَالْحُرِّ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْقِنِّ.
(وَإِنْ) أَوْصَى (إلَى عَبْدِهِ فَإِنْ كَانَ كُلُّ الْوَرَثَةِ صِغَارًا صَحَّ) الْإِيصَاءُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ النَّظَرِ فَلَا مُنَافَاةَ (خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ يُرْوَى مَرَّةً مَعَ الْإِمَامِ وَمَرَّةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ.
وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوِلَايَةَ مُتَقَدِّمَةٌ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ الْإِمَامُ مَرَّ بَيَانُهُ.
(وَإِنْ) كَانَ (فِيهِمْ) أَيْ فِي الْوَرَثَةِ (كَبِيرٌ بَطَلَ) الْإِيصَاءُ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ (إجْمَاعًا)؛ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَ الْعَبْدَ مِنْ التَّصَرُّفِ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ التَّصَرُّفِ فَيَعْجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِحَقِّ الْوِصَايَةِ.
(وَلَوْ كَانَ الْوَصِيُّ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ) أَيْ أُمُورِهَا (ضَمَّ) الْقَاضِي (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعَاجِزِ (غَيْرَهُ)؛ لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْمُوصِي وَحَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَى الْقَاضِي ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْوَصِيُّ (قَادِرًا) عَلَى الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْوِصَايَةِ (أَمِينًا لَا يُخْرَجُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفَاعِلُهُ الْمَنُوبُ عَنْهُ هُوَ الْقَاضِي.
(وَإِنْ شَكَا إلَيْهِ الْوَرَثَةُ) كُلُّهُمْ (أَوْ بَعْضُهُمْ) مِنْهُ أَيْ مِنْ الْوَصِيِّ (مَا لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ خِيَانَةٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ، وَهُوَ أَمِينٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ، وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ فَكَانَ إبْقَاؤُهُ أَوْلَى.
أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِي الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا شَكَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ إلَيْهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ الْخِيَانَةُ فَاتَتْ الْأَمَانَةُ، وَالْمَيِّتُ إنَّمَا اخْتَارَهُ لِأَجْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ بَعْدَ فَوْتِهَا، وَهُوَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ مَاتَ وَلَا وَصِيَّ لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا فَعَلَ الْقَاضِي مَا لَيْسَ لَهُ، وَعَزَلَ الْوَصِيَّ الْعَدْلَ الْمُخْتَارَ هَلْ يَنْعَزِلُ أَمْ لَا وَذَكَرَ ذَلِكَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا يَعْزِلُهُ وَلَا يَنْصِبُ وَصِيًّا آخَرَ، وَلَوْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ لَا يَعْزِلُهُ وَلَكِنْ يَضُمُّ إلَيْهِ كَافِيًا، وَلَوْ عُزِلَ يَنْعَزِلُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْقَاضِيَ الْعَدْلَ الْكَافِيَ يَنْعَزِلُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ.
وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ قُلْت.
وَفِي وَسِيطِ الْمُحِيطِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَصِيرُ جَائِرًا آثِمًا، قَالَ وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَا يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ الْكَافِي بِعَزْلِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْقَاضِي وَعَزَا فِي الْقُنْيَةِ انْعِزَالَ الْعَدْلِ الْكَافِي لِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَأَنَّ ظَهِيرَ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيَّ اسْتَبْعَدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ الْمَيِّتُ، وَأَنَّ أُسْتَاذَهُ الْبَدِيعَ قَالَ إذَا كَانَ هَذَا فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي وَنَحْوُهُ الْمَبْسُوطُ وَالْهِدَايَةُ انْتَهَى.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْوَصِيُّ مِنْ الْمَيِّتِ لَوْ عَدْلًا كَافِيًا لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَهُ فَلَوْ عَزَلَهُ هَلْ يَنْعَزِلُ أَقْوَالُ الصَّحِيحِ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُوصِي وَهُوَ أَشْفَقُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْقَاضِي فَكَيْفَ يَعْزِلُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ كَمَا فِي الْمِنَحِ فَقَدْ أَفَادَ تَرْجِيحَ عَدَمِ صِحَّةِ الْعَزْلِ لِلْوَصِيِّ.
(وَإِنْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا) بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ غَيْرِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ، ثُمَّ أَجَازَ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي يَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا مَا اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنٍ وَتَجْهِيزٍ) فَإِنَّهُ لَا يُبْتَنَى عَلَى الْوِلَايَةِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَفِي اشْتِرَاطِ اجْتِمَاعِهِمَا فَسَادُ الْمَيِّتِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جِيرَانُهُ جَازَ (وَخُصُومَةٍ) فِي حُقُوقِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهَا عَادَةً وَلَوْ اجْتَمَعَا لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا أَحَدُهُمَا غَالِبًا عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ تَكَلَّمَا حَالَ الْخُصُومَةِ مَعًا رُبَّمَا لَمْ يَفْهَمْ الْقَاضِي دَعْوَاهُمَا لِاخْتِلَاطِ كَلَامِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهِمَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا (وَقَضَاءِ دَيْنٍ) كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ (وَطَلَبِهِ) أَيْ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْغَيْرِ (وَشِرَاءِ حَاجَةِ الطِّفْلِ)؛ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ خَوْفَ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ كَخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ (وَقَبُولِ الْهِبَةِ لَهُ) أَيْ لِلطِّفْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ (وَرَدِّ وَدِيعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَذْكُورَاتُ مُعَيَّنَةً فَرُبَّمَا اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ (وَرَدِّ مَغْصُوبٍ) فَيَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الِانْفِرَادُ بِرَدِّهِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوا الْمَغْصُوبَ بِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا وَلَمْ يُبَيِّنُوا السِّرَّ فِي إطْلَاقِهِ عَنْ التَّقْيِيدِ، وَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَتَأَمَّلْ (أَوْ مُشْرَى شِرَاءً فَاسِدًا) فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِرَدِّهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الرَّأْيِ (وَجَمْعِ أَمْوَالٍ ضَائِعَةٍ وَحِفْظِ الْمَالِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ إلَى اجْتِمَاعِهِمَا خَوْفَ الْفَوَاتِ (وَبَيْعِ مَا يُخَافُ تَلَفُهُ) إذْ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَفِي التَّأْخِيرِ إلَى الِاجْتِمَاعِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الِانْفِرَادُ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (مُطْلَقًا) وَلَا يَخْتَصُّ الِانْفِرَادُ بِالْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ إذَا ثَبَتَ لِاثْنَيْنِ شَرْعًا تَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا عَلَى الِانْفِرَادِ كَالْأَخَوَيْنِ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَتْ شَرْطًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْقُدْرَةُ لَا تَتَجَزَّأُ وَلَهُمَا أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْوِلَايَةِ التَّفْوِيضُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ صِفَةِ التَّفْوِيضِ وَالْمُوصِي إنَّمَا فَوَّضَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِمَا مَعًا وَهَذَا الشَّرْطُ مُقَيَّدٌ فَلَمْ يَثْبُتْ بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَمَا رَضِيَ إلَّا بِرَأْيِ الِاثْنَيْنِ، وَرَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِهِمَا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ ثَمَّةَ الْأُخُوَّةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ وَالسَّبَبُ هُنَا الْإِيصَاءُ، وَهُوَ إلَيْهِمَا لَا إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفُؤٍ خَاطِبٍ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ وَلِهَذَا بَقِيَ مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ فَلِهَذَا قَالَ بِجَوَازِ الِانْفِرَادِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ دُونَ غَيْرِهَا، ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ذَكَرَهُ الْإِسْكَافُ.
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ أَقَامَ الْقَاضِي غَيْرَهُ مَقَامَهُ إنْ لَمْ يُوصِ إلَى آخَرَ) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْبَاقِيَ عَاجِزٌ عَنْ التَّفَرُّدِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا آخَرَ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْوَرَثَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْحَيُّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ، لَكِنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحَقُّقِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْوَصِيِّ الْمَيِّتِ.
(وَإِنْ أَوْصَى) الْوَصِيُّ الَّذِي مَاتَ (إلَى الْحَيِّ جَازَ) الْإِيصَاءُ (وَيَتَصَرَّفُ) الْحَيُّ (وَحْدَهُ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا إذَا أَوْصَى إلَى شَخْصٍ آخَرَ، وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ لِأَنَّ رَأْيَ الْمَيِّتِ يَكُونُ بَاقِيًا حُكْمًا بِرَأْيِ مَنْ يَخْلُفُهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْحَيَّ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ فَلَا يَكُونُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْضَى بِمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَفَّى رَضِيَ بِرَأْيِ الِاثْنَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ (وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ فِي التَّرِكَتَيْنِ) أَيْ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ، وَلَمْ يُفَوِّضْ لَهُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ.
وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ أَلَا يَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ وَلَوْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ لَمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ مَلَكَ الْإِيصَاءَ.
(وَكَذَا إنْ أَوْصَى) الْوَصِيُّ الْمَيِّتُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى آخَرَ (فِي إحْدَاهُمَا) أَيْ فِي إحْدَى التَّرِكَتَيْنِ يَعْنِي إذَا أَوْصَى إلَى آخَرَ فِي تَرِكَتِهِ يَكُونُ وَصِيًّا فِيهِمَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَرِكَةَ مُوصِيهِ تَرِكَتُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا يَقْتَصِرُ عَلَى تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهَا ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي إحْدَاهُمَا يُفِيدُ عُمُومَ الْوَصِيَّةِ لِتَرِكَتِهِ أَوْ تَرِكَةِ مُوصِيهِ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى فِي تَرِكَتِهِ فَقَطْ يَكُونُ وَصِيًّا فِيهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا إذَا أَوْصَى فِي تَرِكَةِ مُوصِيهِ لَكِنْ قَالَ الْمَوْلَى الْمَعْرُوفُ بِأَخِي حَلَبِيٍّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَالَ مُوصِيهِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ كَوْنِهِ وَصِيًّا فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ ذِكْرِ الْمَالِ الْمُوصَى وَحْدَهُ بِدُونِ ذِكْرِ مَالِهِ، وَلَمْ نَجِدْ فِيهِ رِوَايَةً فِي الْمُعْتَبَرَاتِ بَلْ الْمَوْجُودُ فِيهَا أَنَّهُ إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا فِي مَالِ نَفْسِهِ أَوْ مَعَ مَالِ مُوصِيهِ، أَوْ قَالَ جَعَلْته وَصِيًّا بِغَيْرِ قَيْدٍ فَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَصِيرُ وَصِيًّا فِي الْمَالَيْنِ وَمَا يُشْعِرُهُ فِي الْمَتْنِ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا انْتَهَى.
(وَتَصِحُّ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ) نِيَابَةً (عَنْ الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَرَثَةُ غُيَّبًا أَوْ صِغَارًا أَيْ يَجُوزُ لِلْمُوصِي أَنْ يَقْسِمَ التَّرِكَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ الْغُيَّبِ أَوْ الصِّغَارِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ حَقَّ الْوَرَثَةِ، وَيُسَلِّمَ الْبَاقِيَ إلَى الْمُوصَى لَهُ (فَلَا يَرْجِعُونَ) أَيْ الْوَرَثَةُ (عَلَى الْمُوصَى لَهُ لَوْ هَلَكَ حَظُّهُمْ فِي يَدِ الْوَصِيِّ)؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ يَكُونُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْهَلَاكُ فِي نَصِيبِهِ (لَا) تَصِحُّ (مُقَاسَمَتُهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (مَعَهُمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ نِيَابَةً (عَنْ الْوَصِيِّ لَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ، وَالْوَارِثَ خَلِيفَةٌ عَنْ الْمَيِّتِ أَيْضًا حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ فَصَلَحَ الْوَصِيُّ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ نِيَابَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ خَلِيفَةً لِأَحَدٍ كَانَ خَلِيفَةً لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ فَصَارَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَصَحَّتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ.
أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ مِلْكًا جَدِيدًا وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصْلُحْ الْوَصِيُّ خَصْمًا عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَلَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ عَلَيْهِ (فَيَرْجِعُ) الْمُوصَى لَهُ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْوَرَثَةِ (بِثُلُثِ مَا بَقِيَ لَوْ هَلَكَ حَظُّهُ فِي يَدِ الْمُوصِي)؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَنْوِيَ مَا نَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ (وَصَحَّتْ) الْقِسْمَةُ (لِلْقَاضِي لَوْ قَاسَمَهُمْ) نِيَابَةً (عَنْهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (وَأَخَذَ قِسْطَهُ) أَيْ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ فَكَانَتْ قِسْمَتُهُ كَقِسْمَةِ الْغَائِبِ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا صَحَّتْ الْقِسْمَةُ مِنْ الْقَاضِي كَانَ لَهُ أَنْ يَفْرِزَ نَصِيبَهُ وَيَقْبِضَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ عَنْ الْغَائِبِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ وَلَا عَلَى الْقَاضِي.
(وَفِي الْوَصِيَّةِ بِحَجٍّ لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ فَضَاعَ عِنْدَهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (يُؤْخَذُ لِلْحَجِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) فِي يَدِ الْوَصِيِّ يَعْنِي إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجٍّ فَقَاسَمَ لَهُ الْوَصِيُّ مَعَ الْوَرَثَةِ، وَأَخَذَ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ فَضَاعَ فِي يَدِهِ أُحِجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ.
(وَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ) أَيْ دَفَعَ الْوَصِيُّ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ (لِمَنْ يَحُجُّ فَضَاعَ فِي يَدِهِ) أَيْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَاللَّامُ فِي لِمَنْ بِمَعْنَى إلَى يُؤْخَذُ لِلْحَجِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُزَادُ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَقْصُودِهَا، وَهُوَ تَأْدِيَةُ الْحَجِّ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَحَجَّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أُخِذَ وَإِلَّا فَلَا)؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا بَقِيَ مَحَلُّهَا، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَطَلَتْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ)؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقُّ الْوَصِيِّ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْرَزَ الْمُوصِي نَفْسُهُ مَالًا لِيَحُجَّ عَنْهُ بِهِ فَهَلَكَ الْمَالُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَكَذَا إذَا أَفْرَزَهُ الْوَصِيُّ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ.
(وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ مِنْ التَّرِكَةِ عَبْدًا مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ جَازَ)؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَلَوْ تَوَلَّاهُ الْمُوصِي بِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَكَذَا الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ لِفَوَاتِهَا إلَى خَلَفٍ، وَهُوَ الثَّمَنُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ لِلْغُرَمَاءِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
(وَإِنْ أَوْصَى بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ) عَلَى الْمَسَاكِينِ (فَبَاعَهُ وَصِيُّهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ وَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ ضَمِنَهُ) أَيْ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ الْتَزَمَ لِلْعُهْدَةِ بِالْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذِهِ عُهْدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِ الثَّمَنِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْوَصِيُّ مَالَ الْغَيْرِ بِرِضَاهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ (وَرَجَعَ) الْوَصِيُّ (بِهِ) أَيْ بِمَا ضَمِنَ (فِي التَّرِكَةِ) أَيْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمَيِّتِ فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ، وَكَانَ الْإِمَامُ يَقُولُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا، وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَا لِتَنْفِيذِهَا فَأَخَذَ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ وَمَحِلُّهَا الثُّلُثُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ فَكَانَ الضَّمَانُ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَمَحَلُّ قَضَاءِ الدَّيْنِ كُلُّ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ إذَا تَوَلَّى الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَا عُهْدَةَ وَفِي الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْقَاضِي تَعْطِيلُ الْقَضَاءِ لِنِفَارِ النَّاسِ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ خَوْفًا عَنْ لُزُومِ الضَّمَانِ، وَفِي تَعْطِيلِهِ تَعْطِيلُ مَصَالِحِ النَّاسِ وَأَمِينُ الْقَاضِي سَفِيرٌ عَنْهُ كَالرَّسُولِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ لَا لِلْوَرَثَةِ وَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْأَمْوَاتِ الْمَفَالِيسِ.
(وَلَوْ قَسَّمَ الْوَصِيُّ التَّرِكَةَ فَأَصَابَ) الْوَارِثَ (الصَّغِيرَ شَيْءٌ فَقَبَضَهُ) الْوَصِيُّ (وَبَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ فَضَاعَ وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ) الَّذِي بَاعَهُ الْوَصِيُّ (رَجَعَ) الْوَصِيُّ (فِي مَالِ الصَّغِيرِ)؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ.
(وَ) رَجَعَ (الصَّغِيرُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ) لِبُطْلَانِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَلَا شِرَاؤُهُ لَا بِمَا يُتَغَابَنُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فِيهِ) نَائِبُ الْفَاعِلِ لِيُتَغَابَن وَلَا يَصِحُّ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَلِأَنَّ النَّظَر فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ تَعْطِيلَ مَصَالِحِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ إذْ الْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، أَمَّا الْوَصِيُّ فَتَصَرُّفُهُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ (وَيَصِحَّانِ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَشِرَاؤُهُ (مِنْ نَفْسِهِ إنْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ) لِلصَّغِيرِ كَمَا إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَةَ بِعَشَرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مِنْ مَتَاعِ الصَّغِيرِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ لِنَفْسِهِ صَحَّ (خِلَافًا لَهُمَا) قِيَاسًا عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْإِمَامِ مَا تَلَوْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَالتَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ دَاخِلٌ تَحْتَ الِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ هَذَا فِي وَصِيِّ الْأَبِ، وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَلِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ يَرْغَبَ الْمُشْتَرِي بِضِعْفِ قِيمَتِهِ أَوْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ يُفْتَى وَزَادَ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ ثَلَاثُ مَسَائِلَ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةَ أَحَدُهَا إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ وَصِيَّةٌ مُرْسَلَةٌ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا إلَّا مِنْهُ، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ غَلَّاتُهُ لَا تَزِيدُ عَلَى مُؤْنَتِهِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ حَانُوتًا أَوْ دَارًا يُخْشَى عَلَيْهِ النُّقْصَانُ انْتَهَى وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ أُخْرَى وَهِيَ إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ مُتَغَلِّبٍ، وَخَافَ الْوَصِيُّ عَلَيْهِ فَلَهُ بَيْعُهُ انْتَهَى.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْوَصِيِّ (دَفْعُ الْمَالِ) أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ (مُضَارَبَةً وَشَرِكَةً وَبِضَاعَةً)؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَلِلْأَبِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ فَكَذَا لِلْوَصِيِّ.
(وَ) لَهُ (قَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى الْإِمْلَاءِ) مِنْ الْمُلَاءَةِ وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَدَاءِ وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ الْمُحِيلُ الْمَدْيُونُ (لَا عَلَى الْأَعْسَرِ) مِنْ الْمُحِيلِ الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ بِسُقُوطِهِ حَاكِمٌ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ إذَا مَاتَ الثَّانِي مُفْلِسًا وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَمْلَأَ وَأَقْدَرَ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكَوْنِهِ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ بِأَنْ كَانَ الثَّانِي أَفْلَسَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ.
بَقِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ يَسَارًا وَإِعْسَارًا هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ.
(وَلَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْوَصِيِّ (وَلَا لِلْأَبِ الْإِقْرَاضُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ لِلْيَتِيمِ، وَيُحْتَمَلُ التَّوَى فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ (وَيَجُوزُ لِلْأَبِ الِاقْتِرَاضُ) أَيْ أَخْذُ الْقَرْضِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ (لَا لِلْوَصِيِّ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ لِلْوَصِيِّ (وَلَا يَتَّجِرُ) الْوَصِيُّ (فِي مَالِ الصَّغِيرِ)؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ (وَيَجُوزُ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ (عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ) إذَا كَانَ الْمَبِيعُ (غَيْرَ الْعَقَارِ) لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي بَيْعَ مَا سِوَى الْعَقَارِ، وَلَا يَلِيهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا وَلَا الْأَبُ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ حِفْظَ ثَمَنِهِ أَيْسَرُ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَكَذَا وَصِيُّهُ وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ دِينَ بَاعَ الْعَقَارَ، ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ كُلَّهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ حِفْظًا كَالْمَنْقُولِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَوَصِيُّ الْأَبِ أَحَقُّ بِمَالِ الصَّغِيرِ مِنْ جَدِّهِ)؛ لِأَنَّ بِالْإِيصَاءِ تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ الْأَبِ إلَيْهِ، فَكَانَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ كَالْأَبِ نَفْسِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْجَدُّ أَحَقُّ بِهِ حَيْثُ أَقَامَهُ الشَّرْعُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ (فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ فَالْجَدُّ كَالْأَبِ) أَيْ إنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ إلَى أَحَدٍ فَالْجَدُّ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ مِنْ الْغَيْرِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ فِي الْإِرْثِ حَتَّى يَمْلِكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْوَصِيِّ أَمَّا وَصِيُّ الْأَبِ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَفِي النِّهَايَةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِالْوَصِيَّةِ أَخَّرَ ذِكْرَهَا لِعَدَمِ عَرَاقَتِهَا فِيهِ.

.فَصَلِّ: شَهادة الْوَصِيَّينِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ مَعَهُمَا:

(شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ مَعَهُمَا لَا تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا لِأَنْفُسِهِمَا بِإِثْبَاتِ الْمُعَيَّنِ لَهُمَا فَبَطَلَتْ لِلتُّهْمَةِ فَإِذَا بَطَلَتْ ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِمَا ثَالِثًا؛ لِأَنَّ فِي ضِمْنِ شَهَادَتِهِمَا إقْرَارًا مِنْهُمَا بِأَنَّ الْمُوصِي ضَمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا، وَإِقْرَارُهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا فَلَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ ذَلِكَ بِدُونِهِ فَصَارَ فِي حَقِّهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْصِيَاءِ الثَّلَاثِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ ثَالِثًا فَكَذَا هُنَا (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ زَيْدٌ) أَيْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ أَنَّهُ وَصِيٌّ مَعَهُمَا فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَالْأَوَّلِ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً فِيمَا إذَا مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَصِيًّا وَلَهُ وِلَايَةُ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِمَا فَكَانَ هَذَا مِثْلُهُ فِي ضَمِّ مُدَّعِي الْوِصَايَةِ.
(وَكَذَا) لَا تُقْبَلُ (لَوْ شَهِدَ ابْنَا الْمَيِّتِ) أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ لِجَرِّهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا نَفْعًا، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعِينًا لَهُمَا حَافِظًا لِلتَّرِكَةِ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ، وَشَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ لَهُ الْوِصَايَةَ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (وَلَغَتْ) أَيْ بَطَلَتْ (شَهَادَةُ الْوَصِيَّيْنِ بِمَالٍ لِلصَّغِيرِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ لَهُ عَلَى آخَرَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ مُنْتَقِلًا إلَيْهِ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لِلتُّهْمَةِ فِي شَهَادَتِهِمَا (وَكَذَا) تَلْغُو شَهَادَتُهُمَا (لِلْكَبِيرِ فِي مَالٍ) انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ (الْمَيِّتِ) لِلتُّهْمَةِ فِي شَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ لِأَنْفُسِهَا وِلَايَةَ الْحِفْظِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْكَبِيرِ وَبَيْعِ الْعَقَارِ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا (وَصَحَّتْ) شَهَادَتُهُمَا (لَهُ) أَيْ لِلْكَبِيرِ وَحْدَهُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ مَالٍ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا حِينَئِذٍ فِي ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنَّمَا أَقَامَهَا مَقَامَهُ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا لِلْكَبِيرِ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي مَالٍ انْتَقَلَ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصَرُّفَ لَهُمَا فِي حَضْرَةِ الْكَبِيرِ فَعَرِيَتْ شَهَادَتُهُمَا عَنْ التُّهْمَةِ وَلِلْإِمَامِ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا مِنْ التُّهْمَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْكَبِيرِ فَكَفَتْ هَذِهِ التُّهْمَةُ لِرَدِّ شَهَادَتِهِمَا.
(وَشَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ جَائِزَةٌ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ فَتَجُوزُ عَلَيْهِ (لَا لَهُ) أَيْ الْمَيِّتِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ تَحَقُّقِ التُّهْمَةِ بِإِثْبَاتِهِ لِنَفْسِهِ التَّصَرُّفَ.
(وَلَوْ) كَانَتْ تِلْكَ الشَّهَادَةُ (بَعْدَ الْعَزْلِ) مِنْ الْوِصَايَةِ.
(وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَصِيُّ خَصْمًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ عَزَلَهُ الْقَاضِي، وَنَصَبَ غَيْرَهُ خَصْمًا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى لِاحْتِمَالِ التُّهْمَةِ بِأَنْ يَكُونَ جَرَّ لِنَفْسِهِ مَغْنَمًا زَمَانَ وِصَايَتِهِ فَيَشْهَدَ خَوْفًا مِنْ زَوَالِهِ.
(وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ لِآخَرَيْنِ بِدَيْنٍ أَلْفٍ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَلْفٌ مُضَافًا إلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ دَيْنٍ إذَا قُرِئَ مُنَكَّرًا وَعَلَى وَجْهِ الْإِضَافَةِ فَهِيَ بَيَانِيَّةٌ (عَلَى مَيِّتٍ، وَ) شَهِدَ (الْآخَرَانِ لَهُمَا) أَيْ لِلشَّاهِدَيْنِ أَوَّلَيْنِ (بِمِثْلِهِ) أَيْ بِمِثْلِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَهُوَ أَلْفٌ (صَحَّتَا) أَيْ الشَّهَادَتَانِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ عِنْدَهُمَا (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُ لِلتُّهْمَةِ لِكَوْنِ الشَّهَادَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُثْبِتَةً حَقَّ الشَّرِكَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي أَثْبَتَاهُ عَلَى الْمَيِّتِ.
وَلَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُمْ إذَا جَاءُوا مَعًا وَشَهِدُوا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَأَمَّا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ لِاثْنَيْنِ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ادَّعَى ائْتَزَرْتُ الشَّاهِدَانِ دَيْنًا آخَرَ عَلَى الْمَيِّتِ فَشَهِدَ لَهُمَا الْغَرِيمَانِ الْأَوَّلَانِ تُقْبَلُ وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمَا إذَا جَاءُوا مَعًا كَانَ شَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ مُعَاوَضَةً لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنَّهُ حَيْثُ ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْفَرِيقِ الْأَوَّلِ بِلَا تُهْمَةٍ وَالثَّانِي لَا يُزَاحِمُهُ فَصَارَ كَالْأَوَّلِ فِي انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.
(وَلَوْ شَهِدَ كُلُّ فَرِيقٍ لِلْآخَرِ بِوَصِيَّةٍ أَلْفٍ لَا تَصِحُّ) الشَّهَادَةُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التُّهْمَةِ فِي شَهَادَةِ الْأَلْفِ الدَّيْنِ.
(وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ بِوَصِيَّةٍ جَارِيَةٍ وَالْآخَرُ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْفَرِيقِ (بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ صَحَّتْ) شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فَلَا تُهْمَةَ كَذَا قَالُوا لَكِنَّ احْتِمَالَ الْمُعَاوَضَةِ فِي الشَّهَادَةِ بَاقٍ كَمَا فِي صُورَةِ الشَّهَادَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ بِالْأَلْفِ تَأَمَّلْ.
(وَإِنْ شَهِدَ) الْفَرِيقُ (الْآخَرُ لَهُ) أَيْ لِلْفَرِيقِ الْأَوَّلِ (بِوَصِيَّةِ ثُلُثٍ لَا تَصِحُّ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ، وَشَهِدَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ بِوَصِيَّةِ ثُلُثٍ لَا تَصِحُّ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ لِمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى أَيْضًا أَثْبَتَ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ بِخِلَافِ وَصِيَّةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.